السبت، 26 سبتمبر 2009

أدت الاشتباكات العرقية الأخيرة التي وقعت بين المسلمين الأويجور والهان الصينيين - في نهاية شهر يونيو وبداية يوليو الماضي - إلى مقتل المئات من المسلمين الأويغور.
تأتي تلك الأحداث عقب زيارة الرئيس التركي عبدالله جول إلى الصين ومدينة أورومجي عاصمة تركستان الشرقية - وهو الاسم الحقيقي والتاريخي لهذه المنطقة - التي استقبله أهلها بحفاوة
شعبية بالغة في هذا البلد التركي المسلم الذي تحتله الصين؛ حيث تعد هذه الزيارة الأولى من نوعها لرئيس تركي إلى الصين منذ 15 عام، وقد حملت هذه الزيارة - في الفترة من 24 / 6 - 29 / 6 / 2009 - قدر من التضامن مع معاناة المسلمين التركستانيين في الصين؛ فقد جاءت لتحيى الأمل في نفوسهم بإمكانية التواصل مع إخوانهم الأتراك في تركيا ونيل الدعم اللازم لقضيتهم العادلة.
ومن المؤكد أن الكثيرين منا لا يعرف ولم يسمع من قبل بتركستان الشرقية التي يطلق الصينيون عليها - بعد احتلالهم لها - اسم سنكيانج (أي المستعمرة الجديدة) حتى جاءت تلك الأحداث الدامية الأخيرة التي دارت رحاها هناك وحصدت أرواح المئات من المسلمين الأويغور بغير ذنب ولا جريرة إلا المطالبة بحقوقهم المشروعة في الاستقلال والحرية؛ لتكشف لنا عن بقعة من الأرض يعيش فوقها مسلمون أتراك لا يعرف العالم عنهم شيئا إلا القلة من بعض المتخصصين، ويأتى ذلك كنتيجة طبيعية للتعتيم الإخباري الذي تفرضه الصين على هذا البلد الذي تسيطر عليه وتحتله منذ عقود بهدف عزل هؤلاء الأتراك المسلمين عن المجتمع الدولي لكي لا تسلط الأضواء على قضية احتلالهم والممارسات القمعية التي تقوم بها الصين ضدهم - التي تتنافى مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان - وكذلك حقوقهم المسلوبة نتيجة لهذا الاحتلال الذي تطبق فيه الصين سياسات ضد السكان الأويغور الأتراك؛ يقابلها كفاح منهم في سبيل حقوق الإنسان والحرية التي ينشدونها.

ولكي نفهم حقيقة الأحداث الدامية التي جرت مطلع الشهر الماضي يجب أن نعرف أن تلك الأحداث ليست هي الأولى من نوعها التي تقع في تلك المنطقة بل سبقتها ثورات وانتفاضات ومواجهات
أكثر اشتعالا على مدى عقود ماضية، وتستند تلك الأحداث على خلفية تاريخية تؤثر في الحاضر الذي تعيشه تلك المنطقة وهو ما أستطيع أن أطلق عليه "قضية تركستان الشرقية" تلك القضية التي مرت بمراحل عدة وأحداث كثيرة ساهمت في صنعها شخصيات تركستانية مجاهدة تناضل من أجل نصرة قضية وطنهم ونيل الاستقلال.
ولا يتسع المقام هنا لسرد القضية وتطورها منذ نشأتها وحتى الآن، والوضع الراهن في تركستان الشرقية، ولكن يمكن تقديم موجز لهذه القضية.

تركستان وحقها التاريخي في الأرض:
تركستان الشرقية جزء من تركستان الكبرى وهى اسم جامع لجميع بلاد الترك، وكان "طريق الحرير" المشهور تاريخيا يمر منها ويربطها بآسيا وأوروبا، وأهلها الأصليين أتراك، ويجمع المؤرخون القدماء على أن أصل الأتراك يرجع إلى ترك بن يافث بن نوح من الأنبياء المرسلين ويافث هو أول الترك وقد رحل إلى الشرق هو وأبناؤه وأحفاده، وكان ترك ولى عهد والده يافث فسميت الأرض باسمه (تركستان) وكانت
هذه البلاد هي منبت الأتراك الذين شهدهم التاريخ على مر العصور، والتركستانيون هم أصل الترك وتجمعهم بسائر الشعوب التركية وحدة الدم واللغة والعقيدة والمذهب وكذلك العادات والتقاليد والتاريخ، واستقر الأتراك في منطقة تركستان منذ القدم ومنهم ظهرت أسر تركية حكمت تلك المنطقة.

ومن هنا يتضح أن هؤلاء المسلمين الأتراك هم أصحاب الأرض الأصليين مما يدحض ادعاءات الصين بأحقيتها في تلك الأرض وضمها إليها بالاحتلال واعتبارها جزء من الصين.

أهمية تركستان الشرقية للصينيين:يتبادر إلى الذهن سؤال ملح، ألا وهو: لماذا تمثل تركستان الشرقية أهمية قصوى بالنسبة للصين مما يجعلها ترفض فكرة استقلالها؟وللإجابة على هذا السؤال نستطيع القول بان تركستان الشرقية تتمتع بموقع جغرافى واستيراتيجى مهم بالنسبة للصين فهى جسرها لوسط آسيا والشرق الأوسط، كما أن موقعها في شمال غرب الصين يدعم علاقات الصين مع العالم الإسلامى لتحقيق مصالحها؛ فهذا
الموقع يتمتع بأهمية لإدارة العلاقات السياسية الصينية مع دول الجوار ودول العالم الإسلامى، ويضمن كذلك الوجود الصينى في منطقة آسيا الوسطى في مواجهة أحلام الدول الأخرى وخاصة أمريكا في هذه المنطقة نظرا لتمتعها بثروات طبيعية هائلة تمثل عصب الاقتصاد لأى دولة، فيكفى أن نعرف ان تركستان الشرقية تمتلك أغنى وأجود أنواع اليورانيوم في العالم وهو المادة الأساسية في الإنتاج الذرى الصينى، وتعد تركستان الشرقية كذلك منطقة برنامج الفضاء الصينى وبرنامج تطوير الأسلحة النووية، كما يوجد بها البترول والفحم والذهب وثروات زراعية.

مما سبق تتضح القضية؛ أرض خصبة تحتوى على ثروات طبيعية يقابلها طمع صينى في هذه الثروات لذلك احتلت الصين تركستان الشرقية وطبقت فيها السياسات التي تضمن لها إحكام سيطرتها عليها بهدف التمتع بثرواتها وحرمان أصحابها الحقيقيون منها وتركهم يعانون مرارة الفقر.

لقد مر الاحتلال الصينى لتركستان الشرقية بعدة مراحل تخللتها قدرة التركستانيين الشرقيين على نيل الاستقلال عدة مرات من خلال ثورات عديدة أشعلوها وكان من أشهرها ثورة قومول عام 1931م وثورة إيلى عام 1944م إلى ان بدأ عهد جديد في تاريخ تركستان الشرقية بعد الاحتلال الصينى الشيوعى لها عام 1949م وضمتها إليها كمنطقة تتمتع بحكم ذاتى - وهو حكم صورى تولى فيه الصينييون السلطة الفعلية وكانت مشاركة التركستانيون مشاركة وهمية - ومنذ ذلك التاريخ لا تزال تركستان الشرقية ترزح تحت نير الاستعمار الصينى الشيوعى.

ومنذ الاحتلال لم تهدأ المواجهات والانتفاضات وحركات التحرير من أبناء تركستان الشرقية ضد الصين، وذلك بمثابة الاحتجاج والرفض للممارسات والإجراءات الصينية المطبقة في تركستان
الشرقية من ناحية الدين والثقافة والسكان، وحرمانهم من كل حقوقهم في وطنهم وعزلهم عن العالم الخارجى وفرض سياج من التعتيم على أوضاعهم المعيشية المتدنية.

بارقة أمل:وربما تأتى تلك الأحداث الأخيرة لتذكر العالم بوجود هؤلاء المسلمون الذين طالما ظهر من بينهم مجاهدون يناضلون من أجل نصرة قضيتهم في كل المحافل الدولية أملا في كسب قضيتهم لتأييد الرأى العام العالمى، وشوقا إلى أن تمد لهم المنظمات الدولية بما فيها منظمات حقوق الإنسان يد العون لإخراجهم من هذه المحنة التي يعيشونها في ظل احتلال يجثم فوق صدورهم منذ سنوات بعيدة ويسلبهم حتى حقهم في الحياة، فهل يحظى هؤلاء بتأييد العالم بكل فئاته لجهودهم من أجل الاستقلال؟

إنهم يعلقون الآمال على دول ذات ثقل في العالم لكى تضغط على الصين لتخفيف وطأة الاحتلال وتحقيق آمالهم في الحرية، وتأتى تركيا على رأس هذه الدول باعتبارها بمثابة الشقيقة الكبرى بالنسبة لهم، وبالفعل تساند تركيا أبناء تركستان الشرقية بالقول والفعل فيعيش على أراضيها الآلاف من المهاجرين من تركستان الشرقية كما يأتى التأييد كذلك على المستوى السياسى والرسمى والدليل على ذلك ما صرح به رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان من أن بلاده ستطلب من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مناقشة سبل إنهاء العنف العرقى في تركستان الشرقية، ودعا كذلك وزير الصناعة التركى إلى مقاطعة البضائع الصينية احتجاجا على العنف.

وتمثل منظمة المؤتمر الإسلامى أحد المنابر التي يمكن أن تصل بصوتهم إلى العالم من أجل الحفاظ على هويتهم الإسلامية في مواجهة محتل يسعى إلى طمس تلك الهوية وصهرها في بوتقة الصين، وقد أعلن أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام للمنظمة أن الحكومة الصينية لا ينبغى عليها حل صراعات المنطقة بالإجراءات الأمنية وحدها لأن الأويغور شعب له خلفية ثقافية وعرقية خاصة، وله هويته الإسلامية التي يريد أن يعيش وفقا لها.

كما يأمل التركستانيون كذلك في مساندة أمريكا - باعتبارها تدافع عن حقوق الإنسان و بما لها من ثقل دولى - لقضيتهم ولا سيما أن زعيمة طائفة الأويغور وزعيمة مجلس الأويغور العالمى ربيعة قادير تعيش فوق أراضيها.

وفى النهاية فإن نعمة الثروات الطبيعية التي تتمتع بها تركستان الشرقية والموقع الاستيراتيجى المهم؛ تحولوا إلى أسباب فقدها استقلالها وحريتها وإحكام سيطرة الصين عليها لضمان استمرار تقدمها الصناعى على حساب استنزاف ثروات تركستان الشرقية من أيدى أصحابها الحقيقيين.

(اللهم امنح تركستان الشرقية استقلالها... آمين).

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته...

كــــــــــــل عــــــــــام و الأمــــــــــــــــــــة الإســـــــــــلامية بخيـــــــــــــر...
والله تعالي أسأل أن يتقبل منا جميعا صالح الأعمال و يتجاوز عن سيئاتنا و يتقبل منا رمضان علي ما كان فيه من تقصير شديد ..وأن يرزقنا أعمالا صالحة بعده
إن شاء الله...