الأحد، 12 ديسمبر 2010

الأمن النفسي شأنه شأن الأمن الغذائي والاقتصادي والصحي والسياسي ، لابد من أن يكون الإنسان متحرراً من مشاعر الخوف والهلع والفزع والرهبة وعدم الأمن والأمان ، وأن يكون مطمئناً على نفسه في حاضره وغده وأن يكون متمتعاً بالتكيف النفسي والشعور بالرضا عن ذاته وعن المجتمع ، وأن يكون على علاقة وئام وانسجام مع نفسه ومع المجتمع ، ولا يشعر بالغربة وسط الزحام ، فقد قال تعالى: [وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً] الأحزاب:58 .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا يا رسول الله وما هن!! قال: الشرك بالله ، السحر ، قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، أكل الربا ، أكل مال اليتيم ، التولي يوم الزحف ، قذف المحصنات المؤمنات الغافلات] متفق عليه .

ويجد المسلم أعمق المعاني النفسية وأكثرها رسوخاً في العبادات والتكاليف والمعاملات والعقائد في الصلاة والصوم والحج والوضوء والطهارة والزكاة والذكر وفي تلاوة القرآن الكريم وفي تدبر معانيه السامية وفي مبادئ الشفاعة والتوبة والعفو والصفح والتسامح وحب السلم والسلام، وفي مبادئ الإخاء والمساواة والتماسك والمودة والسكينة وفي مبادئ الثواب والعقاب ، يجد المسلم في كل خطوة من خطوات إسلامنا الحنيف ما يثبت إيمانه ويرسخ يقينه ورضاه وراحته النفسية والفكرية مما يؤدي إلى التمتع بالصفحة النفسية الجيدة .

الإسلام ما هو إلا روضة روحية عظيمة يستظل المؤمن بظلالها ويعيش في رحابها وتغمس حياته كلها بالحماية والرعاية والنصح والإرشاد والتوجيه و الهداية والتعليم والتربية السوية ، وينظم الإسلام حياة المسلم تنظيماً دقيقاً وصائباً لأنه آت من عند الله تعالى وهو أعلم بطبيعة البشرية لأن الإنسان من خلق الخالق ، مما يسمو على كل الدساتير البشرية التي هي من صنع البشر ، والغريب أن نجد من ينقل عن الغرب العلماني الذي ترتفع فيه نسبة الانتحار والأمراض النفسية عن باقي العالم الإسلامي رغم ما يحاصره من اضطهاد وفقر ، حيث يرغب في التحضر والتمدن والتقدم في حين أن في إسلامنا وفي تراثنا الخالد ما يكفل الحياة الراقية وما يدعو للنهوض والتقدم والارتقاء والازدهار والبناء والتعمير ، فالتقدم الإسلامي يختلف عن التقدم الغربي المبتور الذي صار بالعالم نحو المادية البغيضة ، ونحو الإلحاد والفردية والأنانية وخراب الذمة والضمير ، والدمار الشامل للبشرية ونشر الخوف وضياع الأمن النفسي ، وأصبح المرض يحاصر الإنسان في كل مكان سواء تلوث المياه وفي الأنهار والمحيطات والبحيرات وتلوث الهواء وشدة الضوضاء وانتشار الأمراض الفتاكة التي لم نسمع عنها من قبل ، منها أمراض الصدر والجلد والبطن ، أضف إلى ذلك أخطر الأمراض وهي الأمراض النفسية والعقلية ، وأنا أطرح سؤال يا أصحاب الحضارات الحديثة ، ماذا قدمت للبشرية ؟؟


هل الخوف وعدم الأمن ؟؟
هل الأمراض الجسمية والنفسية ؟؟
هل انتشار الرذيلة والبعد عن الفضيلة ؟؟
هل قدمتم للبشرية أسلحة إبادة للبشرية ؟؟
هل أمنتم خوف الناس كما دعا إليه الإسلام ؟؟
هل أطعمتم جائع كما أمر الإسلام ؟؟
هل كسيتم عارٍ كما نادى به الإسلام ؟؟
هل ناديتم بالسلام والأمن والأمان كما علمنا الهدي النبوي ؟؟
وهل ؟؟ وهل ؟؟ وهل ؟؟


صور مضيئة من هدي الإسلام على الصحة النفسية .

أولاً: حسن الخلق وأثره على الصحة النفسية :


إن حسن الخلق يؤدي إلى الصحة النفسية وإلى حسن العلاقات الاجتماعية ، وإلى التعاون والعطاء ، فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك ، وكرهت أن يطلع عليه الناس] رواه مسلم.

والنوع الثاني من الحديث نجده عند أعداء البشرية وما يرسخون إليه من حقد وغل للإسلام والمسلمين .
ويشرح القرآن العظيم دستور الإسلام والمسلمين معاني البر شرحاً مستفيضاً ، حيث يجعله أساس العقيدة والمعاملات والعبادات والسلوك الحسن والسوي .


يقول المولى عز وجل: [لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ] البقرة:177.


فيا يهود العالم نحن الموفون بالعهود إذا عاهدنا وهذا ما يدعو إليه إسلامنا ونحن الصابرين في البأساء والضراء وحين اليأس ، وأنتم الذين وصفهم المولى: [الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ] البقرة:27 ، وأنتم قتلة الأنبياء ، ونحن الذين قال المولى فيهم: [وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ] البقرة:155 .
فيا مسلميون انتبهوا إلى دينكم تسعدوا وتنتصروا بإذن الله في دينكم السعادة والراحة والصحة النفسية في دينكم الفرار من هموم الحياة ، في دينكم رفع شأنكم وعلو منزلتكم ، فلا تجعلوا الدنيا هدفكم .


متعة الدنيا في العبادة والعمل للآخرة فيها الراحة والصحة والعافية في الدنيا وفيها الفوز بالجنة في الآخرة .
وكم نحن في حاجة إلى التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، لأننا في عصر طغت فيه الماديات على المعنويات ، وانصرفت القلوب إلى حب الدنيا وكراهية الموت فانتشرت الأمراض النفسية من قلق واكتئاب ، بسبب التكالب على الدنيا إذا كنت ممن يسعى إلى المال انظر إلى أصحاب الأموال وتدبر أمرهم ، إنهم غير سعداء ، وإن كنت من أصحاب البحث عن الجمال انظر إلى الرجال الذين يمتلكون الجمال هل هم سعداء في حياتهم ..

انظر إلى أصحاب الدين والخلق وهم كثيرون ، أمثال: الشيخ عبد العزيز بن باز ، والشيخ محمد بن عثيمين ، والشيخ كشك ، والشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، والشيخ محمد حسان ، هم أصحاب بلاء ومع ذلك هم أكثر الناس سعادة ورضا بما قسمه الله ، لقد أعطاك الله نعم تمتع بها وسلب منك أخرى فإرض بما قسمه الله لك وركز على التي معك وليس على ما ليس معك .


ثانياً: الحياة الزوجية في الإسلام وانعكاساتها النفسية .


نظر الإسلام إلى العلاقة بين الرجل وزوجته علاقة تكامل وليس تعارض أو تنافس ، فعلى الرغم من اختلاف طبيعتها ، إلا أن الله تعالى خلقهما متكاملين أي يكمل بعضهما بعضاً كما يكمل الليل النهار ، ومثل هذا المفهوم يبعث الراحة النفسية والتمتع بالصحة العقلية ، ولاشك أن الخلاف في النظر لحقوق الرجل والمرأة يثور من عدم الفهم الحقيقي لطبيعة كل منهما والنظر إليهما على أنهما متكاملين لا متعارضين ، كما في قوله تعالى: [وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى{1} وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى{2} وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى{3} إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى{4}] الليل:1-4 .


ولكل منهما وظيفته المكملة لوظيفة الآخر ، والأسرة في التصور الإسلامي قوامها المودة والرحمة والسكينة ، فالبيت في الإسلام مكان يسكن إليه الإنسان ليجد فيه الهدوء والاستقرار والسكينة والمحبة والتعاون والصداقة ، بحيث توفر التربة الخصبة والمناخ الصحي لحياة نفسية سوية ، اهتداء بقوله تعالى: [وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ] الروم:21 .


على حين نجد اليوم باسم التحضر منظمات تغذي الصراع والخلاف والقسمة والفرقة بين شطري الحياة ، الرجل والمرأة ، بأسماء مختلفة ، لجنة حقوق المرأة .. منظمة المساواة بين الرجل والمرأة .. هذا من حقوق المرأة .. ونحن نسأل أصحاب هذه المنظمات هل تساعدون على استقرار الحياة الزوجية أم تدميرها ؟؟
حقوق المرأة داخل المنظمات


يقول [حسين فهمي] إن حجاب المرأة يدل على التخلف والرجوع للوراء .


هم ينادوا بالتحرر وحرية المرأة ، هل هذا يعني حرية أن نجعل المرأة سلعة رخيصة تباع وتشترى بأرخص الأثمان وتصبح عرضة للتحرش !!
إن في الحجاب دعوة للمرأة لحماية نفسها من الفتنة والإغراء والإنارة التي تقود إلى المرض النفسية أو الشذوذ أو الجريمة .
فقد كرم الإسلام المرأة وجعلها كالجوهرة المصونة فقد قال عز وجل: [وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ] النور:31 .


بمعنى اختفاء الزينة التي تلفت الأنظار فتلهب الغرائز وتثير الفتنة للأجانب عن المرأة ، وهذا ما يساعد على ارتكاب الجرائم ضد المرأة لأن الإثارة إذا لم يتبعها إشباع حلال أحاط الإحباط بالإنسان والإحباط والفشل من مقدمات الإصابة بالأمراض النفسية .
وتطالعنا الصحف اليومية عن انتشار الاعتداء الجنسي في الغرب وقد امتد إلينا هذا الداء بسبب أن الحجاب والاحتشام يقيد من حرية المرأة الشخصية !!
فهل هناك حرية مطلقة !!


إنما لابد لها من أن تكون مقيدة بقيود النظام العام والقانون والصالح العام والحماية ، ولابد أن تنتهي الحرية حيث تبدأ حرية الآخرين ، بل إن الفوضى وترك الحبل على الغارب وإطلاق غرائز الإنسان مدعاة إلى الإصابة بالمرض النفسية والله لأني أرى في كل جوانب الحياة وكل ظلمات الحياة وكل هموم الحياة ، وكل أمراض الحياة ، مصباح إسلامي يضيء هذه الجوانب وكلن نحن نريد أن نطفأه مما أصابنا بالإحباط والمرض النفسي .


واختم بقول المولى عز وجل: [{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ] التوبة:32 .

منقول ...
الحمــــــــــــــــد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ...
اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل ...
اللهم ارزقنا شكر النعم ...
اللهم اغفر لنا وارحمنـــــــــــــا...