الثلاثاء، 21 يوليو 2009

سألني بعض المائلين إلى الهوى، المصابين بسهام الصبابة والجوى - الساهرين في الليل الطويل الذوائب، الذين صرفوا على المحبة حبات قلوبهم الذوائب - عن مراتب العشق وضروبه، وقبائل الحب وشعوبه، وهزله وجده، وجزره ومده، وشواهد شهده وسمه، وما قيل في مدحه وذمه، فأجبته إلى سؤاله، وجمعت بينه وبين آماله:
يقولون لي صفها فأنت بوصفها ... خبير أجل عندي بأوصافها علم
يا هذا إن أول العشق استحسان من يلائم الطبع من الجواري والغلمان، تحدث منه إرادة القرب والمودة، ثم يقوى الود فيكون حباً لا يمكن القلب رده. فإذا استحكمت المحبة في القلوب، عادت
هوى يهوي بصاحبه في اختيار المحبوب، ثم يصير عشقاً ثم تتيماً ثم يرجع ولهاً على العقول مخيماً، وهو طمع في القلوب يتولد، يعظم بالحرص على الطلب ويتأكد. يخفى عن الأبصار، ويهيج باللجاج والتذكار، كامن كالنار في
الحجر، والزهر في الشجر. إن قدحته أورى، وإن سقيته أخرج نوراً:
العشق أول ما يكون مجانة ... فإذا تحكم صار شغلا شاغلا
فأما أوصافه الممدوحة فإنه جليس ممتع بمشاهدته، وأليف مؤنس بمنادمته، مسالكه لطيفة، وممالكه شريفة. برق لامع، ونور ساطع. تستضيء به نواظر العقول، ويفعل في الشم
ائل مالا تفعله الشمول، ويتصل بجواهر النفوس، فيزيل عنها لبوس البوس، فرح يجول في الروح،وارتياح يغدو في القلب ويروح، وسانح ينشر من البشر ما انطوى، وسرور ينساب في أجزاء القوى:
إذا أنت لم تطرب ولم تدر ما الهوى ... فكن حجراً من يابس الصخر جلمدا
يطلق اللسان، ويشجع الجبان، ويصفي الأذهان. يولد الأخلاق الجميلة، ويرغب في اكتساب الفضيلة، ويفتح للبليد باب الحيلة، ويرفع لواء الهمم، ويبعث على الحزم والكرم. يلطف الطباع ويشنف الأسماع، ويدعو إلى تحسين اللباس، ويستعمل بالرياضة أهل الشماس، لا يقع فيه إلا من قليب قلبه صا
في، ولا يسلم منه إلا كل جلف جافي:
فإن شئت أن تحيا سعيداً فمت به ... شهيداً وإلا فالغرام له أهل
وأما أوصافه المذمومة: فإنه ملك قاهر، وحاكم جائر. هزله جد
وراحته تعب، وأوله لعب وآخره عطب. يعتري النفوس العاطلة والقلوب الفارغة، ويكسف من الآراء شموسها البازغة، ويسوق إلى وليه غمام الغم، ويهيم في وادي الهم. يذهب العقل، ويمرض الجسد، ويقوي الفكر ويضعف الجلد، ترتعد منه الفرائص، وتتقد به نار النقائص. يستعبد الأحرار، ويستأثر ذوي الأقدار، ويصفر الأبدان، ويوقع في الذل والهوان:
وكنت أظن الهوى هيناً ... فلاقيت منه عذاباً مهينا
يورث الأسف والحرق، ويجلب الوسواس والأرق، ويجدد ملابس
الوجد والألم، ويمنع عن الاشتغال بالعلوم والحكم. يحالف أرباب الشبهات، ويستخدمهم في تدبير الشهوات، ويعطل عن المصالح، ويجرح بمديته الجوارح. من جنده الغرام والكلف، ومن رفده الهيام والشغف، يعوق الطالب عن الاستفادة، ويشغل الإنسان عما خلق له من العبادة. جان يفضي إلى الجنون، ويدني أهل المنى من المنون:
وما عجب موت المحبين في الهوى ... ولكن بقاء العاشقين عجيب

هناك تعليقان (2):

حاملة المسك يقول...

ما شاء الله كلام جميل و موزون مثل صاحبته

منال (محبة عائشة رضي الله عنها وأمهات المؤمنين) يقول...

جزاكم الله خيرا يا لولو