الاثنين، 18 أغسطس 2008

فوائد من سورة يوسف....

{آلر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} [يوسف: 1]فيه: أنّ القرآن واضح لا غموض فيه، وأنّ (الكتاب) من أسماء القرآن، وفيه إشارة إلى علوّ ورفعة هذا القرآن.{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2]{إِنَّا}: فيه أنّ من أساليب العرب إيرادَ خطاب الجَمْع للواحد، وهذا من باب عظمة المخاطِب، والله - تعالى - أعظم العظماء.{أَنْزَلْنَاهُ}: فيه دليل من أدلة كثيرة على أنّ القرآن مُنَزَّلٌ من عند الله - تعالى.{قُرْآَنًا عَرَبِيًّا}: فيه عظيم حكمة الله - تعالى - في إرسال الرُّسل بلسان أقوامهم؛ {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4]، وفيه عظيم رحمة الله – تعالى – ولطفه؛ حيث جعل القرآن مفهومًا واضحًا لا غامضًا.{لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}: فيه أنّ بلوغ الحجَّة بفهمها، لا بمجرَّد سماعها، وفي المسألة تفصيل، وفيه أنّ فَهْم الحجَّة قد ينفع من خُوطِبوا وقد لا ينفع، وممّا يوضح ذلك آياتٌ كثيرة؛ منها قوله - تعالى -:{سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى} [الأعلى: 10، 11].وفيه: عظيم الأثر على من عَقِلَ المراد من الآيات؛ قال بعض السلف: كلما قرأتُ مثلًا في القرآن ولم أَعْقِلْه، بكيتُ على نفسي؛ لأنّ الله – تعالى - يقول: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]، وفيه مدحُ أهل العلم والعقل ببصيرة.{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف: 3]{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ}: فيه تضمين العلم في القصص، وفيه أنّ القصص فيها الحسن والسيِّئ، وفيه أنّ قصص القرآن أحسن القصص([1]).بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}: فيه أنّ القرآن من عند الله، وهو قد تكلم به حقيقةً، وفيه أنّ أخبار المُغيَّبات تؤخذ من الوحي، وفيه ضلال وكذب أولئك الزَّاعمين أنهم يعلمون المغيَّبات، من سحرة وكهنة، وعرَّافين وقرَّاء الكفّ والفناجيل.{إذ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 4]{يَا أَبَتِ}: فيه أنّ الأنبياء - عليهم السلام - أبرُّ الناس بوالديهم، ومن البرّ التلطف في النداء.{إِنِّي رَأَيْتُ}: فيه فطنة يوسف - عليه السلام - في اهتمامه بشأن تلك الرُّؤيا، وفيه أهمية الرُّؤَى وتأثيرها في حال الناس، وفيه صدق يوسف - عليه السلام - في قصِّه للرُّؤيا بلا تزيُّد، وفيه: طلب المشورة وعرض ما قد يشكل على أهل العقل والعلم.{أَحَدَ عَشَرَ}: فيه أنّ العدد في الرُّؤيا ممَّا يُعِين على تفسيرها.{كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ}: فيه أنّ تمييز النوع: (كَوْكَبًا)، والحجم: (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) يُعين على تفسير الرُّؤيا.{سَاجِدِينَ}: فيه أنّ شرع من قبلنا ليس شرعًا لنا، وفي المسألة تفصيل.{قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [يوسف: 5 - 6]فيه عناية الأنبياء - عليهم السلام - بأبنائهم أتمَّ عناية، ومن ذلك التلطف في مناداتهم، وفيه فراسة يعقوب - عليه السلام - في عظيم شأن رؤيا يوسف، وفيه فطنة يعقوب - عليه السلام - في نهي يوسف عن قصِّ رُؤياه على إخوته؛ جاء في الحديث: ((إذا رأى أحدُكم الرُّؤيا يحبُّها، فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها، وليُحدِّث بها، وإذا رأى غيرَ ذلك ممَّا يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله من شرِّها، ولا يَذكُرْها لأحَد؛ فإنها لا تضرُّه))([2]).وفيه إدراك يعقوب - عليه السلام - لحال أولاده، وعِلْمِه التامّ بحسدهم ليوسف، وفيه حرص يعقوب - عليه السلام - على عدم حدوث أيّ أمر يؤثّر على اجتماع أهل بيته، وفيه أنّ الحسد يكون بين الأقارب كما يكون بين الأباعد، وفيه أنّ عداء الأقارب أشدُّ وأنكى من عداء الأباعد:
وَظُلْمُ ذَوِي الْقُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَةً عَلَى الحُرِّ مِنْ وَقْع الحُسامِ المُهنَّدِ
وفيه أنّ الحسد يكون في الأمور المعنوية، كما يكون في الأمور الحسِّية، وفيه أنّ الحاسد يزيد كيدُه وحسدُه كلّما حصل للمحسود نعمة، وفيه أنّ الأنبياء - عليهم السلام - أعظم الناس نصحًا.ومثال ذلك في هذه الآية من وجوه:
- أنّ يوسف قصَّ الرُّؤيا على أبيه، فتضمَّن نصحُ أبيه له رحمةً ومحاذير وبشائر:
- أمَّا الرَّحمة، فتحبُّبه ورحمته ليوسف بقوله: يا بُنيّ، و نهيه يوسف عن قصِّ رؤياه على إخوته.
-وأمَّا المحاذير، فتحذيره أنّ قصَّها سوف يجلبُ كيدًا عليه، وتحذيره وتذكيره بعداوة الشيطان للإنسان، وتحذيره من الكيد الأصغر وهو كيد إخوته، ومن الكيد الأكبر وهو كيد الشيطان.
-وأما البشائر، فاجتباء الله – تعالى – له، وتعليمه من تأويل الأحاديث، وإتمام نعمة الله - تعالى - عليه، وإتمام نعمة الله - تعالى - على آل يعقوب.وجماع القول في هذا: أنّ من كمال النصيحة ترهيبُ المنصوح ممَّا يحصل له من النِّقَم، إن وقع في المحذور، وترغيبه فيما يحصل له من النِّعم إن هو تجنَّب المحذور، وهذا كلّه قد اجتمع في نصيحة يعقوب ليوسف - عليه السلام.
منقول من موقع الألوكة www.alukah.net